سورة الفرقان - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله عز وجل: {تبارك} تفاعل من البركة قيل: معناه جاء لكل بركة وخير وقيل معناه تعظيم {الذي نزل الفرقان} أي القرآن سماه فرقاناً لأنه فرق بين الحق، والباطل والحلال والحرام وقيل لأنه نزل مفرقاً في أوقات كثيرة ولهذا قال نزل بالتشديد لتكثير التفريق {على عبد ه} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {ليكن للعالمين} أي للإنس والجن {نذيراً} قيل هو القرآن وقيل النذير هو محمد صلى الله عليه وسلم {الذي له ملك السموات والأرض} أي هو المتصرف فيهما كيف يشاء {ولم يتخذ ولداً} أي هو الفرد في وحدانيته، وفيه رد على النصارى {ولم يكن له شريك في الملك} يعني هو المنفرد بالإلهية، وفيه رد على الثنوية وعباد الأصنام {وخلق كل شيء} مما تطلق عليه صفة المخلوق {فقدره تقديراً} أي سواه هيأه لما يصلح له لا خلل فيه ولا تفاوت، وقيل: قدر كل شيء تقديراً من الأجل والرزق فجرت المقادير على ما خلق.


قوله تعالى: {واتخذوا} يعني عبد ة الأوثان {من دونه آلهة} يعني الأصنام {لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً} يعني دفع ضر ولا جر نفع {ولا يملكون موتاً} أي إماتة {ولا حياة} أي إحياء {ولا نشوراً} أي بعثاً بعد الموت {وقال الذين كفروا} يعني النصر بن الحارث وأصحابه {إن هذا} أي ما هذا القرآن {إلا إفك} أي كذب {افتراه} أي اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم {وأعانه عليه قوم آخرين} قيل: هم اليهود وقيل عبيد بن الخضر الحبشي الكاهن، وقيل جبر ويسار وعداس بن عبيد كانوا بمكة من أهل الكتاب، فزعم المشركون أن محمداً صلى الله عليه وسلم يأخذ منهم قال الله تعالى: {فقد جاؤوا} يعني قائلي هذه المقالة {ظلماً وزوراً} أي بظلم وزور، وهو تسميتهم كلام الله بالإفك والافتراء {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها} يعني النضر بن الحارث كان يقول: إن هذا القرآن ليس من الله وإنما هو مما سطره الأولون مثل حديث رستم واسفنديار ومعنى اكتتبها انتسخها محمد صلى الله عليه وسلم من جبر ويسار وعداس وطلب أن تكتب له لأنه كان لا يكتب {فهي تملى عليه} أي تقرأ عليه ليحفظها لأنه لا يكتب {بكرة وأصيلاً} يعني غدوة وعشية قال الله تعالى رداً عليهم {قل} يا محمد {أنزله} يعني القرآن {الذي يعلم السر} أي الغيب {في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً} أي لولا ذلك لعاجلهم بعذابه {وقالوا مال هذا الرسول} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم {يأكل الطعام} أي كما نأكل نحن {ويمشي في الأسواق} أي يلتمس المعاش كما نمشي نحن وإذا كان كذلك فمن أين له الفضل علينا، ولا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة وكانوا يقولون له لست بملك لأنك بشر مثلنا، والملك لا يأكل ولا يملك لأن الملك لا يتسوق وأنت تتسوق وتبتذل وما قالوه فاسد لأن أكله الطعام لكونه آدمياً، ولم يدع أنه ملك ومشيه في الأسواق لتواضعه وكان ذلك صفته في التوراة ولم يكن سخاباً في الأسواق وليس شيء من ذلك ينافي النبوة ولأنه لم يدع أنه ملك من الملوك {لولا أنزل إليه ملك} أي يصدقه ويشهد له {فيكون معه نذيراً} أي داعياً {أو يلقى إليه كنز} أي ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى التصرف في طلب المعاش {أو تكون له جنة} يعني بستان {يأكل منها} أي هو فلا أقل من ذلك إن لم يكن له كنز {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} يعني مخدوعاً وقيل مصروفاً عن الحق.


{انظر} يا محمد {كيف ضربوا لك الأمثال} أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج {فضلوا} أي عن الحق {فلا يستطيعون سبيلاً} إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة. قوله تعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك} أي من الذي قالوا: وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً} أي بيوتاً مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً أو قال ثلاثاً أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت نبياً عبد اً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبياً عبد اً قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده. قوله تعالى: {بل كذبوه بالساعة} أي القيامة {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً} أي ناراً مسعرة {إذا رأتهم من مكان بعيد} قيل: من مسيرة عام وقيل من مسيرة مائة عام. فإن قلت: كيف تتصور الرؤية من النار وهو قوله إذا رأتهم. قلت يجوز أن يخلق الله لها حياة وعقلاً ورؤية وقيل: معناه رأتهم زبانيتها {سمعوا لها تغيظاً} أي غلياناً كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب {وزفيراً} أي صوتاً فإن قلت كيف يسمع التغليظ. قلت: رأوا وعلموا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً كما قال الشاعر:
ورأيت زوجك في الوغى *** متقلداً سيفاً ورمحاً
أي وحاملاً رمحاً، وقيل: سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد، وقال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه {وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً} قال ابن عباس تضيق عليه كما يضيق الزج في الرمح {مقرنين} أي مصفودين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل {دعوا هنالك ثبوراً} قال ابن عباس: ويلاً وقيل هلاكاً وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم فيقال لهم {لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً}» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وقيل معناه هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل: {قل أذلك خير} أي الذي ذكرت منه صفة النار وأهلها {أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيراً} أي ثواباً ومرجعاً لهم قال تعالى: {لهم فيها ما يشاؤون} أي أن جميع المرادات لا تحصل إلا في الجنة، لا في غيرها. فإن قلت: قد يشتهي الإنسان شيئاً، وهو لا يحصل في الجنة كأن يشتهي الولد ونحوه وليس هو في الجنة قلت إنّ الله يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة، بل كان واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيه من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيره {خالدين} أي في نعيم الجنة ومن تمام النعيم أن يكون دائماً، إذ لو انقطع لكان مشوباً بضرب من الغم وأنشد في المعنى:
أشد الغم عندي في سرور *** تيقن عنه صاحبه انتقالا
{كان على ربك وعداً مسؤولاً} أي مطلوباً، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} وقالوا {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} يقول كان إعطاء الله المؤمنين جنة وعداً، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك الوعد وقيل الطلبة من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} قوله تعالى: {ويوم نحشر وما يعبد ون من دون الله} يعني من الملائكة والإنس والجن مثل عيسى والعزير، وقيل يعني الأصنام ثم يخاطبهم {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} أي أخطؤوا الطريق.

1 | 2 | 3 | 4